ليلة الوفاء لعبد الوهاب- تكريم الفن والإبداع في موسم الرياض

المؤلف: نجيب يماني11.11.2025
ليلة الوفاء لعبد الوهاب- تكريم الفن والإبداع في موسم الرياض

غدت "الرؤية" حقيقة واقعة بفضل جهود هيئة الترفيه، فتحولت إلى إنجاز ملموس، فانطلقت مسيرة الإبداع بكل ألوانها، واستعادت الفطرة السليمة قدرتها على التعبير الجمالي الذي ينسجم مع روح العصر ومتطلبات الحياة العصرية الراقية.

عاش محبو النغم الأصيل وأنصار اللحن العذب خلال فعاليات موسم الرياض الخامس أمسية استثنائية ساحرة، أمسية خالدة محفورة في الذاكرة، حيث تراقصت ذكريات الماضي الجميل على صفحات القلوب، وتجسدت معاني التقدير والعرفان بالجميل لأهل الفضل والعطاء.

تألقت أضواء الوفاء تكريمًا لمسيرة إبداع مطرب الأجيال، الموسيقار العبقري الدكتور محمد عبدالوهاب، صاحب المدرسة الفنية الرائدة التي أثرت في وجدان جيل كامل في مصر والعالم العربي قاطبة.

كيف لا تحتفي الرياض بالقامة الفنية الشامخة، أول موسيقي وثالث فنان على مستوى العالم يحظى بالأسطوانة البلاتينية، والذي أسَرَ القلوب بألحانه الشجية وأغانيه الخالدة.

في تلك الليلة، ازدانت سماء الرياض بخيوط ذهبية من الحب والثناء، تقديرًا لفنان عظيم سطّر اسمه بأحرف من نور في تاريخ الفن، فهو أول من تولى تدريس الغناء والموسيقى في مدرسة الأوقاف في عهد الزعيم سعد زغلول، ورافق أمير الشعراء أحمد شوقي في رحلته إلى باريس، حيث نهل من معين الفن والموسيقى والغناء.

في الحادية عشرة من عمره، صدح بصوته العذب مغنيًا لعبده الحامولي (عذبيني في مهجتي... فمهجتي بين يديك... وآمريني فالقلب طوع يديك).

ولحّن باكورة أغانيه من كلمات أحمد شوقي في حفل زفاف ابنة أخيه، مطلعها (زفة العروسة).

وكتب له شوقي أول أغنية عاطفية أداها على خشبة أحد مسارح القاهرة، مطلعها (شبكت قلبي يا عيني يا فايتني لسهدي على كيفك تعال لي والّا أبعت طيفك توحشني وأنت ويايا وأشتاق لك وعينيك في عينيا وأذَّلل والحق معايا واجي أعاتبك ما تهونش عليا).

شارك بالتمثيل في أول مسرحية أمام منيرة المهدية بعنوان (كيلوبترا)، والتي كان لها الفضل الكبير في انطلاقته الفنية، فأصبح يحيي حفلاته على مسرحها، مترنمًا بأروع الأغاني مثل (يا جارة الوادي وبلبل حيران وكلنا نحب القمر وخائف أقول اللي في قلبي).

تألق في أول فيلم سينمائي له بعنوان الوردة البيضاء، والذي يحكي قصة حب عاشها، ثم تزوجت معشوقته من شخص آخر، فغنى في حفل زفافها (يا لوعتي يا شقايا يا ضنى حالي) معبرًا عن لوعة الفراق وعذابات الهوى.

وشدا قائلًا (ضحيت غرامي علشان هناكي) ليجسد مشاعره الدفينة وأحاسيسه المرهفة.

تعرفت على مطرب الملوك أثناء دراستي في جامعة القاهرة، حيث كنت أرتاد كازينو قصر النيل في فترة العصر، عندما كانت أشعة الشمس الذهبية تداعب صفحة النيل، كنت أقضي أوقاتًا من الشوق والحنين أمام النيل، والزوارق تتهادى على صفحته الهادئة، وصوت الحياة وهمسات العشاق، فجأة سمعت أغنية لامست شغاف قلبي، سألت الجرسون من هو هذا المطرب؟

فأجابني: إنه محمد عبدالوهاب.

كان يغني سمعت في شطك الجميلِ ما قالت الريحُ للنخيلِ

يسبح الطيرُ أم يغني ويشرح الحبَ للخميلِ؟

وأغصنٌ تلك أم صبايا شربن من خمرة الأصيلِ؟

آهٍ على سرك الرهيبِ وموجك التائه الغريبِ

يا نيل يا ساحر الغيوبِ

أطلقت العنان لخيالي الجامح، وتخيلت نسمات الهواء الرقيقة وهي تلامس سعف النخيل، وكأنها همسات عاشق في أذن حبيبته، عشقت عبدالوهاب، وبحثت عنه بشغف لا يضاهى، فألحانه كالبلسم الشافي للقلوب، وصوته يتردد صداه في الآفاق، يحيي الروح ويضفي البهجة على المحبين.

أدمنت الاستماع إلى إذاعة أم كلثوم، التي كانت بمثابة كنز دفين للأغاني العتيقة لأساطين الطرب، كنت أسهر متمعنًا في أغانيه تحت ضوء الشرفات الخافتة، فقاهرة الليل تحتضنك بحنان دافئ لا مثيل له.

هناك تعلمت معنى الحب الحقيقي، وتذوقت مرارة الحرمان، وعرفت خفقان القلب، فرقة الفؤاد،

اللي حيرني واللي غيرني واللي فاتني في حال نام وسهرني والا فاكرني والا مش عالبال

صبحني في هم وويل من طول ما بفكر فيه

نساني أنام الليل خلاني أبات أناجيه

كل ده كان ليه

سمعته يغني الصبا والجمال في هدأة ليل القاهرة الحنون

سَكِرَ الرَّوضُ سَكْرَةً صَرَعَتْهُ. عِنْدَ مَجْرَى العَبِير مِنْ نَهـْدَيْكِ

قَتَلَ الوَرْدُ نَفْسَـهُ حَسَداً مِنْكِ. وَألْقَى دِمَـاهُ فِـي وَجْنَتَيْكِ

وَالفَرَاشَـاتُ مَلَّتِ الـزَّهر لَمَّا. حَدَّثَتْـهَا الأنْسَامُ عَنْ شَـفَتَيْكِ

رَفَعُوا مِنْكِ للجَمَالِ مثالا. وَانْحَنَوْا خشعا عَلَى قَدَمَيْكِ

زمن عشته بكل ما أملك من حب وهيام.

ألحان عذبة وأغانٍ تلامس شغاف القلب، فتثير الذكريات الدفينة، من قد ايه كنا هنا من شهر فات والا سنة

أيام ما كنا لبعضنا والدهر غافل عننا

افتكر يوم وافتكرني

افتكرني في غروب الشمس والليل بيناديها والأماني هيا رايحة وراح نصيب العمر فيها

انا والعذاب وهواك آه يا جارحني تراعيني قيراط

رصيد زاخر من الأغاني والألحان والأفلام والموسيقى أورثه لنا عبدالوهاب، ليبقى ذكرى عطرة في قلوبنا، ونستلهم منها الصبر والسلوان في لحظات الحنين والشوق.

هذا الإرث الفني القيّم لم يكن ليكتشفه الجيل الحاضر لولا تلك "الرؤية" الطموحة والجريئة، التي أنعشت القلوب وأحيت المشاعر، ويسرت دروب حياتنا، وفتحت لنا آفاقًا نحو التميز والابتكار.

رؤية تنسجم مع فطرة الإنسان السوية وميوله الأصيلة نحو الجمال والتوق إلى الكمال، تعكس الرغبة الصادقة في إعمار الأرض، وتحقيق رفاهية الإنسان، والسعي الدائم نحو جودة الحياة التي نعيشها اليوم بفضل "الرؤية" المباركة، ومعاني الوفاء الأصيل التي تجسدها "هيئة الترفيه".

كل الحب والتقدير والثناء على ليلة عبدالوهاب بكل ما احتوت من كرم وضيافة، وأصالة وتراث، وتجهيزات مبهرة، وفن راق، وفنانين مبدعين.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة